cinéma et théâtre
جرعة… مسرحية تُعرّي العنف وتختبر قدرة الإنسان على النجاة
في مشهد مسرحي جزائري متعطش للطرح الصادم والهادف، تأتي مسرحية جرعة لتفجّر أسئلة عميقة حول السلطة، الجسد، والانكسار. عمل جزائري مستوحى من النص المصري مجزرة حدثت منذ عام للكاتب المصري حسام قنديل، أعاد كتابته وإعداده فتحي كافي، وأخرجه مختار حسين، ليقدّم للجمهور تجربة مسرحية جريئة ومشحونة بالتوتر والدهشة.
أقدم « مسرح القوس » على إنتاج مسرحية جرعة بميزانية معدومة بمشاركة ثلاثين فناناً شاباً ساهموا في العمل بأموالهم وجهودهم وقُدّم العرض الأول على المسرح الجهوي لمدينة سيدي بلعباس سنة 2014.
فكرة مسرحية جرعة
تدور أحداث المسرحية حول زوج يكتشف خيانة زوجته، فيُقدم على تعذيبها بوحشية. ولكن الخيانة لم تكن سوى البداية… إذ يتبيّن لاحقًا أن الزوجة ليست سوى أداة تستعملها السلطة لاختراق الرجل وتدميره نفسيًا. حين تنكشف الخيوط، تتحوّل الضحية إلى جلاد، ويتكرر العنف من جديد في صورة أشد قسوة وتعقيدًا.
مسرحية جرعة ليست فقط قصة خيانة، بل تجربة تمزج بين ما هو شخصي (الخيانة الزوجية) وما هو سياسي (العنف المؤسساتي)، في قالب يختلط فيه الحميمي بالجماعي، وتصبح أجساد الشخصيات ساحة للسلطة والقمع.
البناء المسرحي والسينوغرافيا لمسرحية جرعة
أبدع المخرج مختار حسين في بناء فضاء مسرحي رمزي وغير واقعي، اعتمد على ديكور بسيط لكنه دالّ: شكل خشبة المسرح يأخذ هيئة حرف T، في إشارة إلى الصليب أو طاولة عمليات أو مشهد إعدام.
تتوسط الخشبة شاشة تُعرض عليها صور ومقاطع فيديو ترمز إلى القمع، التعذيب، الزمن، والمراقبة، لتمنح العرض بُعدًا بصريًا سينمائيًا، وتخلق مسافة بين الحدث والمتفرج.
أما الإضاءة فقد جاءت مركّزة وقاسية، لتؤكد حدة المشهد وشدة الألم، بينما لعبت الموسيقى التصويرية، التي أنجزها حسان العمامرة، دورًا محوريًا في تصعيد التوتر.
شخصيات مسرحية جرعة
يقول المخرج مختار حسين إن ثلاثين فناناً شاباً ساهموا في العمل بأموالهم وجهودهم بمحبة و تطوع. سنتان من البحث والتفكير، وشهر من التدريبات، تحمّل خلاله أفراد المسرحية عبء مصاريفهم الخاصة، وتنقلاتهم إلى مدينة معسكر من مناطق مختلفة من البلد.
تضم المسرحية ثلاث شخصيات رئيسية:
بعد أن تخون الزوجة (الممثلة خامسة مباركية) زوجها
الزوج (هشام قرقاح): ضحية في البداية، ثم جلاد لاحقً
الزوجة (خامسة مباركية): متهمة بالخيانة، لكنها في الأصل مجنّدة من السلطة.
الطبيب (علي ناموس).
العلاقات بين هذه الشخصيات تقوم على تبادل الأدوار، وانهيار الحدود بين المذنب والضحية، وبين الحب والعداء.
الثيمات المركزية
تعالج جرعة عدة ثيمات متشابكة
الجسد كأداة للسلطة: كيف يُحوَّل الجسد إلى ساحة للتعذيب والانتهاك؟
الخيانة متعددة الوجوه: خيانة الزوجة، خيانة النظام، خيانة الذات.
السلطة والتلاعب بالعلاقات: كيف تستخدم السلطة أقرب الناس لتدمير الإنسان؟
التكرار العبثي للعنف: حتى بعد «التحرر»، يعود العنف ليتكرر بشكل جديد.
النقد والاستقبال
حظيت المسرحية باستقبال حافل في عرضها الأول، حيث اعتبرها النقاد واحدة من أقوى تجارب المسرح المستقل في الجزائر خلال السنوات الأخيرة. وقد أشاد الجمهور بـالقوة التعبيرية للأداء، وجرأة الطرح، والتقنية المسرحية العالية.
ورغم أنّ العرض تم بدون دعم مؤسساتي، فقد أثبت الفريق المسرحي بقيادة فتحي كافي ومختار حسين أنّ النص الجيد، مع فريق ملتزم، قادر على خلق تجربة فنية مؤثرة حتى في ظل شح الموارد.
في الختام…
جرعة ليست فقط مسرحية، بل صدمة فنية موجّهة للعقل والوجدان. هي محاولة مسرحية لإعادة التفكير في العنف، السلطة، والنجاة. عبر جسد ممزق، ونص متوتر، وعرض بصري قاسٍ، تقول المسرحية ما يصعب قوله… وتُجبر المشاهد على مواجهة أسئلته الخاصة
إنه عمل يستحق المتابعة والدعم، ويؤكد أن المسرح الجزائري قادر على الإبداع حين يتحرر من الخوف ويُخاطب عمق الإنسان
نبذة عن مسرح القوس
مسرح القوس هو مبادرة ثقافية مستقلة تأسست في الجزائر بهدف دعم المسرح الجاد والملتزم. يُعرف هذا الفضاء بتقديم عروض مسرحية جريئة تتناول قضايا اجتماعية وسياسية حساسة، مع التركيز على التجريب الفني والتعبير الجسدي. من أبرز أعماله مسرحية جرعة، التي أثارت اهتمام النقاد والجمهور على حد سواء بفضل طرحها العميق وأسلوبها المبتكر. بالإضافة إلى العروض المسرحية، ينظم مسرح القوس ورشات تدريبية ولقاءات فنية تهدف إلى تطوير مهارات الشباب في مجالات التمثيل والإخراج والكتابة المسرحية. رغم التحديات التي تواجه الفضاءات الثقافية المستقلة في الجزائر، يواصل مسرح القوس نشاطه بفضل شغف فريقه وإصراره على تقديم فن هادف وذو جودة عالية.
