Lettre de Paris
الجزائر علمتني الصحافة وفرنسا حررت قلمي
« الاسلوب هو الشخصية « مقولة أدبية وصحفية يجسدها فيصل شريف بامتياز، وتاريخ مسار ومسيرة تجربته المستمرة اليوم في بوردو حيث يقيم منذ عام 2000 تؤكد هذه الحقيقة أكثر من أي وقت مضى. شخصية فيصل غنية وعميقة ورمزية على أكثر من صعيد، ولعل الرثاء الذي خص به والدته الراحلة خالتي صفية بطلة مظاهرات الحادي عشر ديسمبر اسطع نموذج على أسلوب صحفي دخل قاعات تحرير اروع مهنة كما يدخل المؤمنون المساجد والكنائس والمعابد .
فيصل لا يكتب من أجل الكتابة وركنه الدوري الذي يصدر في موقع « لكم أنفو » يتّسم بالتزام إنساني شامل على غرار الصحفيين والكتاب الكبار الذين اتخذوا من القلم سلاحا سلميا يفتك بجهابذة وصناع الغبن والظلم بشتى الاصناف والملل الإيديولوجية. فيصل متميز لانه يكتب بلغة فولتير والمتنبي بقدرة شبه متساوية دون عقدة أو تبرير لانه تشربهما في عمر الزهور على يد والده المعلم حينما كان المعلم شبه نبي وليس كما يحدث في زمن حول المعلم إلى أجير في منظومة تربوية تعلم تلاميذ يرتكبون كل انواع الأخطاء النحوية الرهيبة ولا يتحسسون مسدساتهم حينما يسمعون كلمة كتاب ! فوق كل هذا، فيصل مرجع في التراث الغنائي والملحون تحديدا ومن لا يعرف ذلك ما عليه الا متابعته فيسبوكيا ليتثقف مجانا. صفحته صدقة جارية ابدية وهي جانب آخر من شخصيته الفريدة .هنا إطلالة قصيرة الحجم وطويلة العمر وعميقة المعنى و الأبعاد على صحفي ليس ككل الصحفيين.
كيف يقدم فيصل شريف نفسه شخصيا ومهنيا على طريقته لقراء موقعنا الجديد ؟
ليس سهلا أن يتحدّث الشخص عن نفسه، و قد يبدو ذلك خيلاء، و لكن احتراما لكم و لسؤالكم، أتجرّأ و أقول أنّي صحفي منذ 1985 و كاتب عندما يستضيف الإلهام نفسه، و باحث في ثرات الملحون الجزائري عندما يمنح الوقت زمانه. تجربتي في الجزائر عمرها 15 سنة، بين الصحافة المكتوبة و عالم الإتصال الذي تمرّست فيه عندما شغلت منصب مكلّف بالإتصال بداية من المجلس الأعلى للشباب، و انتهاءا بوزارة الشباب و الرياضة.
اخر تجربة لي في الجزائر كانت إدارة و تسيير يومية الأصيل، إحدى أجمل التجارب الصحفية. كان لي الشرف أن أكون فيها يومها أصغر مدير يومية وطنية. بعدها، ساقتني الأقدار للإقامة في فرنسا بداية من عام 2000، لظروف قاهرة. كانت في حقائبي تجربتي الجزائرية فقط، و تمكّني المقبول للغة الفرنسية. لم يكن الأمر سهلا فقد بدأت بإلقاء محاضرات لمواضيع تخصّ الجزائر و العالمين العربي و الإسلامي و معضلة الهجرة في فرنسا و أوروبا عموما، ثمّ تهت في تدريس اللغة العربية للفرنسيين.
بعدها كانت لي تجربة في ميدان التنشيط الإجتماعي و ذلك كلّه كان بالموازاة مع كتابات صحفية لبعض الجرائد الجزائرية باللغتين العربية و الفرنسية. و استقرّ بي المقام بيومية سود أوويست و التي دامت 3 سنوات. ثمّ عدت لعالم الإتصال بعد أن تحصّلت على منصب مكلّف بالنشر في خليّة الإتصال التابعة لمقاطعة في جنوب فرنسا. في نهاية عام 2015 قادني قلمي إالى عالم الكتابة، فنشرت في فرنسا «بقلب مفتوح : من ضفّة لأخرى » و إلى اليوم مازال الميل الجنوني للصحافة قائما و ما زلت أكتب هنا و هناك.
كيف يلخص لنا فيصل شريف تجربته الإعلامية في الجزائر وفي فرنسا ؟
أبجديات الصحافة تعلّمتها في الجزائر، و قد أفادتني كثيرا في فرنسا. جيلنا كان له الحظّ في تكوين جيّد و في صحافة جيّدة رغم هامش الحرية الضيّق. في فرنسا، تحرّر قلمي و فسح المجال لفكري أن يقول و يكتب. لا و لن أنكر فضل بلادي في تكويني، و لا يمكن أن أنكر جميل الصحافة الفرنسية التي فتحت لي بعض صفحاتها، و إلاّ فسأكون جحودا.
كنت تشكل اسما مهنيا هاما في الجزائر ويفترض أن يستغل وجودك في فرنسا لخدمة اعلام الوطن الذي هو في أمس الحاجة لطاقة مثلك. لماذا وكيف تفسر غيابك في الإعلام الجزائري ؟
لست إلاّ إسما صغيرا من بين مئات الأسماء الجزائرية الكبيرة و التي تعلّمت منها كثيرا. في فرنسا، كثيرة هي الأسماء قبلي التي يمكنها ان تقدّم للجزائر و التي يمكن الإستفادة من خدماتها. الغياب هو تغييب متعمّد في رأيي، و إذا أضيف للنيّة الخافية السقوط الحرّ للإعلام في الجزائر، إلاّ من بعض العناوين القليلة، فلا أمل أن يتغيّر الوضع. أعتقد أن عالم الراديو هو الوحيد الذي حافظ نوعا ما على النوعية و أناقة أن تكون صحفيا.
رأيك كلإعلامي مخضرم في واقع الإعلام الجزائري بوجه عام ؟
واقع الإعلام اليوم رديئ، و السبب سياسي بالدرجة الأولى. أن ترتبط الصحافة المكتوبة، القنوات التلفزيونية و حتى الإذاعات بالقانون الذي يدير الإشهار على طريقته في الجزائر أمر غير منطقي. هناك جرائد لا تقرأ و قنوات لا تتابع، و مع ذلك لها إشهار عمومي الذي يوزّع بطريقة فوضوية فيها من اللاعدل ما قتل مشاريع إعلامية كان بالإمكان أن تكون رائدة. واقع الإعلام له علاقة أيضا بمستوى المعاهد التي تنجب الصحفيين و العيب في التكوين و ليس في من يريد أن يكون صحفياّ. واقع اللإعلام سببه الدخلاء على المهنة أيضا.
موخرا وجه الكاتب المعروف ميشال اوفري المعروف على قناة أر تي الروسية الناطقة بالفرنسية انتقادات حادة للاعلام الفرنسي من منظور تراجع هامش حرية التعبير وسيطرة اللوبي الصناعي والتجاري تحت وطأة توجه وماضي الرئيس ماكرون، ولعل تغطية انتفاضة السترات الصفراء مثال على ذلك ما رأيك ؟
الإعلام الفرنسي خاضع لسلطة المال، هذا ليس بالأمر السرّي. و هو يخضع أيضا لسلطة الإديولوجيات. الصحفي الفرنسي في عمومه ليس منحازا، و لكن كبار الإعلاميين الذين لهم سطوة و حضورا يمكنهم قلب الموازين. هولاء هم من أسقطوا فرانسوا فيون بعد سقطته المالية، و هم الذين رفضوا الان جوبيه مكانه، هذا الأخير الذي تنحّى لأنّه كان يدرك الأمور جيّدا.
هولاء هم من رفعوا بإتقان و احترافية، إيمانويل ماكرون إلى الإليزيه. التغطية الإعلامية لانتفاضة السترات الصفراء لم تكن في مستوى الإعلام الفرنسي الذي ركّز على العنف و تغاضى كثيرا عن المطالب. السياسة، المال و الأعمال، و الإعلام أمور متداخلة في فرنسا و لكنها ليست هي الظاهر للعيان. الإحترافية كبيرة في الإعلام الفرنسي، و ذكاء الإعلاميين أكبر في التعامل مع الأحداث. لكن في فرنسا هناك وجود فعلي للمجتمع المدني و لمعارضة قوية يمكّن من فضحها مثل هذه الأساليب، إضافة إلى أنّ هناك صحفيون لا يسايرون الطرح المعتاد.
رمضاني بوعلام