Suivez nous

cinéma et théâtre

الفيلم القصير المبحر… حين يُصبح الحُلم بالهجرة سؤالًا سياسيًا مؤلمًا

Publié

le

إعلان الفيلم القصير لمبحر بطولة علي ناموس و سليمان بن واري

في أحد أقوى الإنتاجات السينمائية الجزائرية المستقلة خلال السنوات الأخيرة، يبرز الفيلم القصير «المبحر» للمخرج يوسف منصور، كعمل فني مكثف في مدته (11 دقيقة)، عميق في موضوعه، ومفتوح على قراءات إنسانية وسياسية متعددة. الفيلم حظي باهتمام واسع وشارك في عدد من المهرجانات الدولية الكبرى، من بينها مهرجان الفيلم العربي بـ فيميك (فرنسا)، ومهرجان في نيجيريا، و آخر في رواندا.

علي ناموس و سليمان بن واري أثناء تصوير الفيلم القصير لمبحر
علي ناموس (يمين الصورة) و سليمان بن واري (وسط الصورة) أثناء تصوير الفيلم القصير لمبحر

القصة… وطن، صداقة، وهروب مؤجل

يتتبع الفيلم قصة صديقين حميمين منذ الطفولة، إبراهيم وكريم، قرّرا الهروب من الجزائر بحثًا عن مستقبل أفضل. لكن مع انطلاق الهبّة الشعبية في 2019، تتغير معادلة الهروب. يتحول المشهد من قرار فردي إلى سؤال جماعي: هل نبقى ونناضل، أم نغادر ونستسلم؟

يخرج أحدهما من السجن، وقد غيّر موقفه، مُصمّمًا على البقاء والمقاومة داخل الوطن مهما كانت النتيجة، بينما يتردد الآخر بين الأمل والخذلان، بين الوطن والحلم المؤجل بالهجرة.

مشهد للممثل علي ناموس في فيلم لمبحر
مشهد للممثل علي ناموس في فيلم لمبحر

الأداء التمثيلي… علي ناموس وسليمان بن واري يتألقان

العمل يَدين بجزء كبير من قوته إلى أداء الثنائي المبدع: علي ناموس وسليمان بن واري. فهما لم يؤديا فقط شخصيتين في أزمة، بل جسّدا صراعًا نفسيًا وفلسفيًا حول الوطن والهوية والخوف والتغيير.

نظراتهما، حواراتهما المختزلة، والصمت الطويل بينهما، كلها عناصر تُظهر نضجًا تمثيليًا لافتًا، خاصة لدى علي ناموس الذي أضاف بُعدًا داخليًا للشخصية، جعل المُشاهد يتعاطف معه حتى وهو يتخذ قرارات غير مفهومة ظاهريًا.

يُعتبر علي ناموس من أبرز وجوه الجيل الجديد في التمثيل المسرحي والسينمائي بالجزائر. بدأ مشواره من المسرح الجهوي لسكيكدة، وشارك في أكثر من عشرين عملاً مسرحياً، من بينها « المجزرة »، « أمام أسوار المدينة »، و »يما »، قبل أن ينتقل إلى الشاشة الصغيرة والسينما، حيث برز في أعمال مثل مسلسل « النفق »، « دموع لولية »، وفيلم « زيغود يوسف » الذي تقمّص فيه دور البطل الوطني. يتميّز علي بأسلوب تمثيلي يقوم على التعبير الداخلي، والإيقاع النفسي العميق.

أما سليمان بن واري، فهو فنان ذو حضور متوازن، جمع بين المسرح والتلفزيون، ويمتلك قدرة لافتة على تقمّص الأدوار المركبة. سبق أن شارك في مسلسلات اجتماعية وقصصية، ويُعرف بأسلوبه الهادئ والصادق في الأداء، ما جعله اختياراً مثالياً لدور كريم في «المبحر»، الشخصية المترددة التي تُجسد خيبة جيل عالق بين الحلم والواقع.

تُظهر هذه التجربة الثنائية انسجامًا تمثيليًا نادراً بين ممثلَين يمتلكان رؤية جمالية مشتركة، ويؤمنان بقوة الفن في مساءلة الذات والواقع.

مجموعة عمل الفلم القصير لمبحر
صورة جماعية لفريق عمل الفيلم القصير لمبحر

الإخراج والرؤية الفنية

اختار المخرج يوسف منصور توظيف ما يُشبه « الوحدة الزمكانية » في التصوير، حيث تدور الأحداث في فضاء واحد، محدود، لكنه مشحون دراميًا، ليُصبح هذا المكان شاهدًا على التحول، الصدمة، والتغير.

تميز الإخراج بما يُعرف بالكاميرا الصادمة، التي لا تُجمّل الواقع، بل تُصوّر التناقضات كما هي، بحدة، وبلغة بصرية مباشرة دون مواربة.

كما أتاح سيناريو الفيلم القصير المبحر مساحة مفتوحة للنقاش، دون فرض أحكام مسبقة، بل ترك لكل شخصية أن تعرّف موقفها من الوطن والهجرة بطريقتها الخاصة، بعيدًا عن الخطاب الأخلاقي أو الشعارات الجاهزة.

مشاركات ومهرجانات

شارك فيلم «المبحر» في العديد من المحافل السينمائية الدولية، منها:

مهرجان الفيلم العربي في فيميك (فرنسا) – الدورة 33 (2022)

First-Time Filmmaker Sessions @ Pinewood Studios (المملكة المتحدة)

مهرجان AFRIFF – لاجوس، نيجيريا

مهرجان Mashariki للسينما الإفريقية – كيغالي، رواندا (2023)

وقد أثنى النقاد في هذه المحافل على جودة الإخراج، وقوة النص، وخصوصًا الأداء التمثيلي الذي اعتُبر من بين الأفضل في الأعمال القصيرة للمنطقة المغاربية.

المبحر… أكثر من فيلم

الفيلم القصير المبحرلا يُقدّم إجابة، بل يُطرح كسؤال مفتوح: هل نحلم بالهجرة لأن الوطن يضيق بنا، أم لأننا لم نمنحه فرصة للتنفس؟ وهل الثورة تغيّر مصير الأفراد أم تزيدهم تيهًا ؟

وفي خضم هذه الأسئلة، يظل «المبحر» شاهدًا على لحظة جزائرية مفصلية، قد تكون مرّت، أو ما تزال مستمرة في دواخلنا.

Publicité
Cliquez pour commenter

Laisser un message

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *